( ماذا يهمّنا إن كان الغرباء لنا ينتصرون.. ونحن نصنع هزيمتنا بأنفسنا ؟!
أنتظر فجرًا.. لأُمَّة تعرّت تبحث سترًا.. لأمة تفرّقت شِبرًا شِبرًا.. لأُمة تشبّعت ذُلًّا وعهرًا.. أنتظر فجرًا يُعيد فجرًا).
هكذا كانت آخر فقرة كتبتها في مقال لي بعنوان: "يا أُمّة تَعرّت".. منذ عشر سنوات تقريبًا.
حين تذكرتُ مقالي هذا لفت انتباهي أنّ الفقرة تنطبق تمامًا علىٰ واقعنا الحالي.. ويبدو أن "العُري" ما يزال وسيبقىٰ مصاحبًا لنا حينًا من الدّهر.. ولكن أي "عُري" أقصد ؟!
ما حدث في "غزّ.ة" جعل العالَم بفاعلياته ومظاهراته في الشّوارع والجامعات ينتصرون لنا.. وينحازون لقضيتنا "قضية فـ.لسطين".. بينما نحن في الدّرك الأسفل من الخِزي والتّراجع وانهيار الثّقة في قدراتنا.. بل ومعاناة الهزيمة الدّاخلية قبل أن تكون هزيمةً من طرفٍ خارجيّ.
ورغم خوض "الكـ.يان" مضمار معركته الغاشمة في "غـ.زّة" بتأييدٍ ودعمٍ عالميّ وقحٍ لافت مما أدىٰ لتدمير القطاع تدمـ.ـيرًا شاملًا بطريقة لم تشهدها المنطقة من قبل.. وبصورة فجـ.عت القاصي والدّاني لبشـ.ـاعتها.. بل ووقوف المجتمع الدّولي صامتًا أمامها وارتدائه مسوح العار !!
غير أن حصاد المكاسب عصيٌّ علىٰ الإنكار حتىٰ من ألد الأعداء..
فبداية الحرب كانت ضربةً موجعةً لدولة الاحتـ.لال زلزلت أمنها وجـ.يشها واستخباراتها.. واستُكمل انهيار أسطورة الجـ.يـش الذي لا يُقهر (بداية من حرب أكتوبر 73) ومعجزات القبة الحديدية التي مللنا منها.. وإن هم إلا يخرصون.
عادت القضية الفلسـ.طينية لتحتل الصّدارة على رأس اهتمام الرّأي العام العالميّ، بصورة لم تحظَ به قضية أخرىٰ ولا حتىٰ حرب "العراق وإيران" أطول حرب إقليمية والتي امتدت لثماني سنوات.. والحرب الرّوسية الأوكرانية الآن.
كما أعاد "الطّـ.وفان" إحياء الشّعور العروبي والإسلامي، الذي كاد أن يُهال عليه التّراب عقب التّطبيعات المخزية؛ وتغيير المناهج الدّراسية؛ والاتفاقات "الإبراهـ.يمية" المزعومة.. مما أدىٰ إلىٰ استعادة إسر.. ائيل لمخاوفها الوجودية.. وسط أجيال عربية ستنمو وتتربىٰ علىٰ كراهيتها.. بعد أن هُيىء للبعض إمكانية تجهيل عقول الشّباب وتحييد مشاعرهم.
وإذا كان "العُري" في "مفهومنا القديم" ينسحب على تعرية الجسد.. إلا أنه في زماننا هذا بتنا نراه يعني: انحطاط القيم والأخلاق.. وصولًا لعالَم الشـّ.واذ واللوطـ.يين والمثلـ.يين المطلوب فرضه علىٰ العالَم وكأننا قطيع من الغنم.. إضافةً للقرف الذي يُسمىٰ بالمساكنة.. واستقلال المرأة عن الرَّجل.. وظهور جيلٍ من المواليد غير الشّرعيين.
أمّا "غز.ة" فكانت ترىٰ "العري" بشكلٍ مختلف.. فقد عرّت "الكـ.يان" وأسطورة الجـ.يش الذي لا يُقهر.. بعد أن تحول أمام أعيننا إلىٰ جـ.يش "البامبرز".. وهزائمه المتوالية علىٰ يد" الطّو. فان" غنية عن التّذكير.
عرّته ساعة أحدثت انشقاقات سياسية - غير مسبوقة - بين قادته بعضهم البعض أمام شاشات العالَم، وبينهم وبين "طائـ.فة الحريـ.ديم" وحاخاماتها والتي ترفض فكرة التّجنيد في جـ.يش الاحـ.تلال.
عرته ساعة أصبح الإسرا. ئيلي منبوذًا في كثير من دول العالَم سواء أكان سائحًا أو جنـ.ديًّا أو رياضيًّا.. أو مشجعًا عاديًّا.. وانكشف للعالّم "تمثيلهم المتقن" ومتاجرتهم بالمأسي-المزعومة- التي يتعرضون لها علىٰ حد تعبير فتاة هولندية.
كما تعرّىٰ الانشقاق المجتمعي.. وأسفر عن شرائح من الشّعب لا تحمل ولاءً لـ "أرض الميعاد" !!.. ساعة فرّوا وهاجروا خوفًا علىٰ أنفسهم.. لتظهر الصّورة واضحةً جليّةً بأنّهم إنّما جاؤوا لفلـ.سطين المـ.حتلة من شتاتهم طمعًا في امتيازات حياتية مادية تقدمها لهم الحكومة من مسكن وفرص عمل وسيارة وغيرها.. وليس عن عقيدة إيمانية بالنَّص المقدّس (المُزور) والأرض.
عرّت تفريط الحكومة الهشّة في أبناء شعبها.. وقد بانت الصّورة تمامًا في تعاملها مع ملف الأسرىٰ - وعدم تقدير أحزان ذويهم -.. إمّا بإهمالهم أو قتلهم لتتخلص من كونها ورقة ضغط عليها.. وقد شاهدنا كيف اتّبعت "بروتوكول هانيبال" وهي تحاول إنقاذ أَسراها من "غز.ة" بأي طريقة وإن أدّى الأمر لإصابتهم أو قتلهم كما ينص البروتوكول !!
عرّت - وباقتدار - النّفاق العالمي وتشدّقه بشعارات حقوق الإنسان والحريات.. وترسّخت بالأذهان سياسة ازدواجية المعايير.. فتأثرت هيبة "الولايات المتحدة" - والتي تعد أعظم قوة عالمية - بسبب الدّعم الدّائم للاحـ.تلال وإبادته للمدنيين والصّحفيين والأطباء ورجال الإغاثة المحليين و"الأنروا" والنّساء والأطفال والشّيوخ.. وحتى الشّجر والحيوان.
عرّت قبح وفُجْر الغرب المموِل والمساند حين أكد تورطـه في السّماح للكـ.يان لأول مرة في التّاريخ باستخدام قــ.نابل اسبايس الذّكية والخارقة للتحصينات وغيرها من القـ.نابل المُحرمة دوليًّا والقنـ.ابل الرّغوية والتي أبادت القطـ.ـاع بأخضره ويابسه.
"غزّ.ة" عرّت وحطّمت وانهارت علىٰ يديها "صفقة القرن" التي جُيّشت الجيوش والعقول والدّول والثّروات لتنفيذها.. وتلقىٰ الكـيـ.ان إنذارًا من أمريكا بضرورة الكف عن افتعال حروب لن تنتهي وأهمية هدوء منطقة الشّرق الأوسط كي يتفرع "ترامب" لمشاكل بلاده الدّاخلية.. فكان الانسحاب من "غز.ة".. ومحور" فلادلفيا" على الحدود مع مصر على رأس المفاوضات الجارية.. وسيعقبها لبنان وسورية.. فأين الكيـ.ان الآن من خريطة إسرا..ئيل الكبرىٰ ؟!
عرّت بل وكتبت شهادة وفاة المنظمات الدّولية العالمية وعلىٰ رأسها: الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدّولية، بعد أن ظهر كيف أنها ألعوبة في أيد قذرة.. بل وأُصدرت قوانين لمحاكمة قُضاتها الذين تجرؤوا وأدانوا الاحــ.تلال وقادته.. بحجة أن تلك المحاكم إنّما وُضعت لـ "الأفارقة والعالّم الثّالث" فقط.. بينما "الرّجل الأبيض" طاهر وسيظل طيلة عمره طاهر !! (مع الاعتذار للفيلم المصري).
عرّت الأكاذيب التي شحنتها وسائل الإعلام الصّـ.هيو..نية بما أسمتها بـ "النبوءات اليهـ.و.. دية" المفتراة المكتوبة بأقلام مُزوريهم ومُحرفيهم.. والتي ما قالها "نبيّ".. وما أنزل الله بها من سلطان.. والغريب أن يصدقها المسلمون ولا يصدقون قرآنهم الذي أكد علىٰ أن أحبارهم كتبوه مُحرّفًا بأيديهم.. كما أكد علىٰ انتصار "أُمة محمد" عليهم.. بل وسينطق الحجر والشّجر ليفضح مخبأهم.
عرّت العجز والعمالة والتّواطؤ والخيانة التي جعلت شعوبنا العربية مقيدة في بحور العجز عن إنقاذ إخواننا في الدّمِ والعقيدة والعروبة.. بحيث صنعنا هزيمتنا بأنفسنا.. بينما اجتاحت المظاهرات العالَم تنتصر لقضيتنا الفلـ.سطينية وتزدري موقفنا !!
عرت مواقف بعض مثقفينا ممن أنكروا على صاحب الدّار أن يدافع عن بيته المسلوب وعرضه المنتهك بحجة عدم تساوي القوة بين "غز.ة" وعدوها.. وهل خرج أي مستعمر من بلد احتلها إلا بعد مقاومة أهلها ولو بالحجر مهما بلغت قدرة أسلحة العدو المتطورة ؟! اسألوا الفدائيين في مصر إبان الاحتلال البريطاني والمليون شهيد بالجزائر إبان الاحتلال الفرنسي.
أعود لأول فقرة في مقالي وأعيد كتابتها:
( ماذا يهمّنا إن كان الغرباء لنا ينتصرون.. ونحن نصنع هزيمتنا بأنفسنا ؟!
أنتظر فجرًا.. لأُمَّة تعرّت تبحث سترًا.. لأمة تفرّقت شِبرًا شِبرًا.. لأُمة تشبّعت ذُلًّا وعهرًا.. أنتظر فجرًا يُعيد فجرًا ).
وفي انتظار إجابة لسؤالي وتحقيق أمنيتي.. ما يزال يحدوني الأمل.
----------------------------
بقلم: حورية عبيدة